قصة الفقير الحكيم

حكم احد البلدان ملك غني ذو شهرة وسطوة وكان هذا الملك حكيمـًا حليمـًا ايضـًا . وفي ذات يوم أمر المنادي ان يُعلن للجميع بأنه مستعد أن يعطي كيسين مملوءين بالذهب لكل مُـلـّـفق يمكنه أن يختلق كذبة ممتعة مُحكمة يقـُصها عليه.
فتقدم اليه شخص يـُعد من أكبر الملفقين في المملكة وقصّ على الملك الكذبة تلو الكذبة ولكن الملك لم يستحسن أيـًا منها. وكان يقول له : " الهذهِ تدعي انها كذبة مُحكمة وقد سمعتـُها منذ وقت طويل ؟".
فخرج هذا المُـلفق ودخل آخر ولكنه لم يُرض ِ الملك بكذباته فخرج بخـُـفـّي حـُنين كما يقولون. ثم دخل المُـلفق الثالث وحاول جهده ارضاء الملك ولكنه لم يفلح وأمر الملك بطرده . وهكذا حضر جميع المُـلفقين في المملكة ولم ينل الجائزة أحد منهم .
وقد أشتهر أمر هذه الجائزة في جميع انحاء المملكة حتى بلغ مسامع رجل فقير كان قد فاق بحكمته سائر المواطنين. فقرر أن يفوز بالجائزة. أخذ هذا الفقير معه كيسين فارغين وركب حماره حتى وصل بلاط الملك وطلب مقابلته . قال له الملك : " لماذا حضرت ايها الانسان ؟ هل انت مُـلفـّق ايضا وغايتك أن تربح كيسي الذهب ؟ " أجاب الفقير : " ايها الملك العظيم حضرت اليك لأمر مهم ، قبل عشرين سنة اقرضتُ اباك المرحوم كيسين من الذهب والآن حضرت اليك لتدفع لي دين ابيك فأنا الآن بحاجة قصوى لذلك الذهب."
فغضب الملك غضبـًا شديدًا وصاح :" هل جننت ايها الانسان ، هل يـُعقل أن ملكـًا يطلب قرضـًا من مسكين مثلك ؟ فوالله لقد لفقت عليّ كذبة جميلة ."
فأجاب الفقير : " اذا كانت هذه كذبة جميلة فليأمر الملك بملء هذين الكيسين ذهبـًا كما وعدت وأعلنت ، أما اذا كان ما قلته لك حقيقة فمن المؤكد ان عليك ان تفي دين ابيك فقد طال الوقت عليه."
" انه في الحقيقة انسان حكيم" فكّر الملك في نفسه " أما انا فقد وقعت في الفخ الذي نصبه لي ، فلا بد من اعطائه الجائزة التي وعدت بها". فأمر خادمه أن يملأ كيسي الفقير ذهبـًا.
حمـّل الفقير كيسي الذهب على ظهر حماره وهمّ بالذهاب ، ولكن الملك ناداه فرجع . سأله الملك : " قل لي ماذا ستفعل بهذه الكمية الكبيرة من الذهب ؟"
قال الفقير : " سأرميها في البحر ."
سأل الملك : " ماذا تقول ! اليس لك عقل في رأسك ام جـُننت عند استلامك هذا المال الطائل؟ "
فردّ الفقير : " لا ايها الملك العظيم ، ولكنني أعيش في مملكة المجانين ، مملكة تدفع الذهب مقابل الكذب وأما الصدق فلا يهتم به أحد . أما انا فسأرمي هذا الذهب في البحر كي لا يـُقال انني حصلت عليه بالكذب والاحتيال ، فالأجدر بي أن أعيش فقيرًا حكيمـًا على أن أكون غنيـًا كذّابـًا.
فأستغرب الملك لجوابه وصمت وسار الفقير في دربه